2024/05/05 6:04:05 مساءً
الرئيسية >> الأخبار >> اليمن >> الأحزاب اليمنية كيف ولماذا خرجت عن المشهد السياسي الراهن؟ (مقاربة تحليلية)

الأحزاب اليمنية كيف ولماذا خرجت عن المشهد السياسي الراهن؟ (مقاربة تحليلية)

 

أدركت القوى الوطنية اليمنية في وقت مبكرة أهمية تنظيم نضالها المعاصر في سبيل التحرر من التخلف الإمامي والاحتلال البريطاني, مستجيبة بذلك لمعطيات عصرها الذي أعاد بناء الفعل السياسي  ونظم حركته في أدوات عرفت بالأحزاب والتنظيمات السياسية.

تقوم فكرة التنظيم الحزبي للعمل السياسي على دور الجماهير في صناعة السياسة وإدارة حركتها في المجال العام على المستوى الداخلي للدولة الوطنية وعلى مستوى سياستها وعلاقاتها الخارجية  ولذلك فالحزبية تجسيد للسيادة الشعبية, وتنظيم لهذه السيادة في أطر معبرة عن المكونات الوطنية والسياسية للشعب في النطاق الجغرافي لدولته المستقلة بسيادتها عن بقية دول العالم.

وبعيداً عما يقوله علم السياسة عن الأحزاب ونشأتها التاريخية ودورها السياسي في الدولة والمجتمع, وما تتميز به الحزبية في الدول النامية عن الحزبية في الدول المتقدمة, فإن أي حديث عن الحزبية في اليمن المعاصر, يتطلب شمولاً يتسع لكل تاريخها الحديث والقصير وكافة التحولات المؤثرة في نشأة الأحزاب اليمنية ودورها في العمل السياسي عامة وفي منجزات النضال الوطني خاصة, قبل الجمهورية في الشطرين وبعدها, وقبل وحدة الشطرين وبعدها, وحتى اللحظة الراهنة وما تحمله من معطيات دالة على واقع ومسار الحزبية اليمنية في الحاضر والمستقبل.

تفترض هذه المقاربة التحليلية أن الاحزاب اليمنية التي تصدرت حركة العمل السياسي منذ اربعينيات القرن الماضي, قد اندثر وجودها من الخارطتين, وخسرت دورها في المستقبل المنظور للمجال السياسي العام في اليمن, وبعبارة أخرى, نفترض هنا إن المجال السياسي الذي يتشكل في اليمن الآن, يشهد زوال الوجود الحزبي, ويعد بخروج الأحزاب المعروفة في تاريخنا من أطره القائمة والقادمة لصالح بدائل مختلفة عن الأحزاب في التكوين والوظيفة وفي تمثل الانتماء الوطني وتعبيراته السياسية في الدولة والمجتمع.

يقوم هذا الافتراض على جملة من الملاحظات البحثية للواقع السياسي الراهن والتي رصدت أولاً تراجع الدور الحزبي في العمل السياسي وثانياً الخروج النهائي للأحزاب اليمنية عن كل أطر العمل الوطني وسياقاته السياسية في الدولة والمجتمع. وذلك كما هو مشهود في الخارطة الوطنية المرتسمة في النطاق الجغرافي منذ العدوان العسكري السعودي على اليمن في 26 مارس 2015م وحتى امتداداته في اللحظة الوطنية الراهنة, وتجسداتها السياسية في مفاوضات الكويت والعسكرية في ميادين المواجهة بين قوات تحالف  الحوثي – صالح, وقوا ت ما يسمى تحالف الشرعية المنسوبة للرئيس عبد ربه منصور هادي.

تقول الوقائع, إن الاحزاب اليمنية, أخلت مواقعها في قيادة وإدارة العمل الوطني العام وأطره السياسية لصالح قوى صاعدة من خارج الخارطة الحزبية, وعلى حساب مكونات هذه الخارطة وما تمثله من وجود حزبي ودور سياسي, وذلك على مراحل ابتدأت عملياً بأزمة دولة الوحدة عام 1993م, ثم تنامت بعد حرب صيف 1994م لتصل ذروتها في العام 2004م عندما تخلت الأحزاب عن مسئولياتها الوطنية والسياسية تجاه ما عرف حينها بأزمة صعدة ثم عندما غاب الواجب الحزبي ودوره عن أزمة وطنية أخرى عرفت بالفضية الجنوبية, وخاصة, بعد انطلاق حركتها الجماهيرية الاجتماعية مطلع العام 2007م.

واختتمت الأحزاب اليمنية رحلة مغادرتها العمل السياسي وحركته العامة والخاصة, عندما عجزت عن اقتناص الفرصة التي سنحت لتجددها وطنياً وسياسياً من خلال الانتفاضة الشعبية المندلعة عام 2011م, يفعل الأزمة السياسية التي عصفت بالمجال السياسي التي عبر عنها التوافق الحزبي بين السلطة والمعارضة على تأجيل الانتخابات التشريعية عن موعدها المستحق دستورياً في العام 2009م, وهي الأزمة التي كانت في كل تفاقماتها تعبيراً صريحاً عن عجز وفشل الأحزاب اليمنية في أداء مسئولياتها المفروضة عليها وطنياً وسياسياً ابتداءً من مسئولياتها في تجديد بنيتها وتفعيل دورها في إدارة الفعل السياسي وتنظيم حركته المجسدة للإرادة الشعبية والمعبرة عنها على كافة المستويات ومختلف الأصعدة.

بهذا الجمود والنكوص عن واجبات المسئولية الحزبية غادرت الأحزاب اليمنية المشهد السياسي متخلية بالتدريج عن مواقعها وأدوارها لصالح قوى صاعدة من دوامة التأزم السياسي ومعبرة عنه بانفعالية وانكفاء عن الانتماء الوطني وولاءاته إلى أطر ضيقة بانعزاليتها الجهوية والفئوية وضد الوطنية اليمنية الجامعة للأرض والانسان في هوية موحدة بالجغرافيا والتاريخ وواحدة في كينونتها المجتمعية وكيانها السياسي, فكان أن طغت الانعزالية الصاعدة, وتسيدت المجال الوطني بالتمايز المذهبي والسلالي المحمول على أزمة صعدة, أو بالانسلاخ الجهوي عن الهوية  والوحدة المتحرك بالنزعة الانفصالية للحراك الجنوبي وعمله تحت راية القضية الجنوبية.

غير أن العدوان السعودي العسكري المستمر على اليمن منذ 26 مارس 2015م, كشف عن الخروج النهائي للأحزاب اليمنية من المشهد السياسي خروجاً تاماً ومجسداً لواقع غياب الوجود الحزبي عن الخارطتين: السياسية والمجتمعية, واختفاء دوره عن حركة الأزمة الوطنية على أرض ملتهبة بالعنف المسلح داخلياً والعدوان العسكري خارجياً, وذلك من خلال تمزق الأحزاب اليمنية تنظيمياً وسياسياً وتفرق قرارها بين قيادات انسلخت عن الوطنية اليمنية, إلى انعزالية جهوية, وتخلت عن العمل السياسي لصالح تكوينات مسلحة منحصرة في الجغرافيا ومتحكمة بالمجتمعات المحلية بغير أفق منفتح على الوطنية ومفتوح لتكوينها المتنوع وكيانها المتعدد سياسياً, في أطر منظمة بالحزبية والأحزاب.

يمكن تفسير زوال واندثار الأحزاب التاريخية المعروفة في تاريخنا السياسي المعاصر تفسيراً عاماً موجزاً في بيان العوامل والأسباب الرئيسة لهذا الزوال بما يلي:

–       أولاً: تجاهل الأحزاب اليمنية لأهمية الاستجابة الايجابية للتحول التاريخي الذي فرضته ديمقراطية دولة الوحدة على الخارطة الحزبية وخاصة, ما تم من نقل العمل الحزبي من دهاليز الحظر والسرية إلى فضاء الشرعية والعلنية, ومن هيمنة الأحادية والشمولية إلى واقع التعدد والحريات, ومن الانغلاق العقائدي إلى الانفتاح الديمقراطي على حقيقة التنوع وحقوق التعدد والاختلاف, ولهذا فشلت الأحزاب اليمنية في بناء النظام الديمقراطي الوليد وحماية دولة الوحدة من الأزمات.

–       ثانياً: قعود الأحزاب اليمنية عن أداء أولويات نضالها في سبيل تجذير قيم الديمقراطية وآلياتها المؤسسية في البناء الحزبي نفسه وفي آليات العمل الحزبي داخل كل حزب وتجاه مكونات الخارطة الحزبية والكيان السياسي في المجتمع والدولة فلم تعمل الأحزاب اليمينة على دمقرطة نفسها ولم تتحرك في سبيل نشر القيم الديمقراطية وتنمية الوعي المجتمعي بها مما كرس جمودها التنظيمي وعطل فاعليتها الحركية في المجال السياسي كله.

–       ثالثاً: تجاهلت الأحزاب اليمنية وخصوصاً العقائدية منها من قومية ويسارية ودينية تجديد أسسها الايديولوجية وتغيير ما طرأ على قديمها المعادي للحريات السياسية والتعددية والديمقراطية من تحولات جوهرية , وتمسكها بالثورة والاشتراكية في مواجهة الرجعية والرأس مالية الامبريالية, وهو ما أفقدها الوضوح الفكري في الخطاب والممارسة, وكذلك أفقدها القدرة على التأثير الايجابي في مجتمعها لفقدها القدرة على تقديم الوعد المستقبلي للجماهير الحاسمة في المعارك الانتخابية, ولذلك هيمنت على المشهد السياسي القيادات التقليدية في المجتمع, ثم صعدت إلى صدارته القوى الانعزالية من الجماعات المسلحة والتجمعات المنحصرة في مشاريع صغير للجهة والفئة.

وإذا كانت هذه العوامل ذاتية في تفسير زوال واندثار الأحزاب اليمنية, فإن من الموضوعية الاشارة إلى عوامل ساهمت في ذلك, أبرزها تأثير فترة الحظر والسرية قبل قيام الوحدة في الشطرين, وعمل سلطة الحكم على إفساد العمل الحزبي واضعاف تأثيره ودوره في المجال السياسي, ثم عمل قوى الجوار العربي في السعودية والخليج على إضعاف الظاهرة الحزبية اليمنية وتعطيل تأثيرها على الوضعين: السياسي والاجتماعي في هذا الجوار المحكوم بالملك الوراثي المطلق والمتمسك بتخلفه العام ضد ما هو جديد ومبشر بالسيادة الشعبية والمدنية وحريات التنظيم والتعبير وآليات المشاركة السياسية والشراكة الوطنية في التحديث والتنمية والاختيار الشعبي للنظام والسلطات.

وأيا كانت تأثيرات العوامل الخارجية على نماء الوجود الحزبي وتجدده الفكري والحركي, فإن الأحزاب اليمنية تتحمل مسئولية كاملة في مواجهة هذه المؤثرات بما تقتضيه من مواجهة قادرة على الصمود والنماء وعلى الانجاز والانتصار لأهداف النضال الوطني وطموحه للتحديث والتنمية وانجاز التغيير وتعزيزه المستمر بالتجدد والتطور.

فإذا سلمنا جدلاً, بزوال الحزبية اليمنية وخروجها التام والنهائي من المجالين الوطني والسياسي, فإن ذلك يجسد حتمية انتهاء صلاحياتها التاريخية, ويضعها كتجربة تعد بما بعدها من تطور تاريخي يأتي بالأفضل منها والأصلح للتفاعل الايجابي مع معطيات الحاضر واحتمالات المستقبل, وهو ما يجعلنا نثق في ميلاد قريب لحزبية جديدة ترث تاريخها وتتقدم به نحو ما يقتضيه القانون الاجتماعي للتاريخ الانساني من أصالة وتجدد وتطور مستمر.

عبدالله محمد الدهمشي

 

اخبار 24

شاهد أيضاً

الهيئة العامة للزكاة تدشن مشروع السلال الغذائية النقدية لـ 6 آلاف جريح بقيمة 150 مليون

المستقبل نت: دشنت الهيئة العامة للزكاة الخميس بصنعاء، بالتنسيق مع مؤسسة الجرحى، مشروع توزيع السلال ...