تاريخ الفيد
عبر تاريخنا كانت كل دويلة تتفيد الدويلة التي تغزوها، والقبيلة القوية تتفيد القبائل الاضعف، والقوي يتفيد الضعيف، حياة تفيد وافتراس اشبه بحياة الغابة.
وفي تاريخ الامامة كل امام يتفيد الاخر بطريقة الخروج، يخرج في هذه المنطقة امام، فيقابله خروج امام في المنطقة الاخرى، وكل يجمع حوله رجال يبتغون الفيد، والامام القوي يتفيد الامام الضعيف.
تاريخ اليمنيين هو تاريخ الفيد منذ ان وجدوا على ظهر الارض. كان التفيد في بعض الاحيان يسير على طريقة الحروب الجاهلية. المنتصر يتفيد كل لوازم المهزوم حتى النساء كن يدخلن ضمن الفيد.
في اتفاقية دعان بين الامام يحي والاتراك اول ما تفيده الامام يحي هو زكاة الطائفة الزيدية، ثم ظل متربصا حتى هزيمة الاتراك في الحرب العالمية الاولى.
قيل ان القبائل الزيدية ضمنت لها الاتفاقية في البند الرابع حقوق مالية، فكانت ترفع زواملها امام مقر الحاكم التركي مطالبة برابعا.
بعد هزيمة الاتراك ورحيلهم من اليمن تفيد الامام يحى ما تركه الاتراك من المنشأت، ولم يكتف بذلك، بل وصل به الامر الى تفيد الاراضي الخصبة في كل المناطق التي امتد حكمه اليها، تحت مبرر اها اراضي دولة. لم يكتف الامام يحي بكل ذلك الفيد بل نفيد المناطق الخارجة عن اتفاقية دعان، وهى جنوب وغرب صنعاء، كما تفيد في الاخير الاستقلال الوطني الذي حققه الشعب بنضاله ضد الاحتلال التركي.
تفيد الثورة ..
في العام 62 قام مجموعة من الضباط الشباب بازاحة ال حميد الدين عن الحكم في اليمن. الضباط كانوا صادقين، لكن القوى المشيخية بدأت من اول يوم تفيد الثورة، وحتى من جمهروا كان صباحا يتفيدون من الجمهورية، وفي الليل يتفيدوا من الامام، ومن يدعم الامام.
لم يكن ليهم قضية، القائد الفعلي للثورة ابن عبد المغني تفيدوه قتلا في الشهر الاول للثورة. وبدها بدأ تفيد الثورة والجمهورية والثوار.
المشايخ تفيدوا قصور الامامة في المدن الرئيسية، كما تفيدوا الاراضي الخصبة ( الصوافي ) وبالاخير تفيدوا الثوار بالقتل.
ذهب الثوار للدفاع عن الثورة، وذهب اللصوص بقبائلهم للفيد في كل مكان.
التفت الثوار، فلم يجدوا شيئا؛ لا اراضي دولة، ولا خزينة عامة ، ولا ثورة. اصحاب الفيد تقاسموا الثورة والجمهورية، والديمقراطية، والوحدة، وكل شيء بيع بليل.
تحولت البلاد بما فيها الى فيد للمتنفذين؛ ال الاحمر تفيدوا الاراضي والديمقراطية والمال، عفاش وجماعته تفيدوا الجمهورية، ثم اجتمعت كل العصابات الحمراء والصفراء والسوداء لتفيد الوحدة. تفيدوا البلاد من اقصاها الى الادنى. جوا وبر وبحرا.
تفيدوا اراضي تهامة طولا وعرضا، وحولوا ملاكها الى عمال بالأجر اليومي، ابو 500 .
من يذهب الى الجر في مديرية عبس يرى عجبا، مزارع بطول الافق؛ تسال تهامي عن ملاك هذه المزارع؟ يجيبك: حق الجباليا.
الجباليا هنا هم المتنفذون الكبار. هذه المزارع لعفاش والاحمر والزنداني والراعي والذئب…….الخ
تأتي شركة لاصطياد الروبيان على ساحل البحر الاحمر، تذهب الى وزارة الاقتصاد لاستخراج اذن، تقول الوزارة اذهبوا الى قائد المنطقة الشمالية الغربية البحر حقه، حتى البحار والجزر تفيدوها.
معظم اليمنيين في الاغتراب، الاقتصاد يقوم على عملهم، وفوق هذا يتفيد المتنفذون ممتلكاتهم في الداخل، كل شيء في هذه البلاد عرضة للتفيد كبيرا كان ام صغير، المهم ان يروق لأي متفيد.
عصابات فيد الثروات
العصابات المجمهرة تفيدت البلد بما فيه تفيدت الميزانية باسم جيوش وهمية ومشاريع وهمية. تصوروا قائد عسكري عفاشي باع الدبابات حديد خردة.
سلاح وزارة الدفاع وجد مع جماعات ارهابية في الرياض.
قالوا اننا دولة بترولية؛ والجماعة تفيدوا البترول من اول يوم؛ وصار لدينا حقول نفطية يملكها مشايخ.
ثلاثة من المتنفذين هم الذين يتاجرون بالنفط؛ واحد من اللصوص هو من يحتكر استيراد ادوات حفر ابار النفط. كل شيء في البلد تم تفيده حتى المواطنين صاروا جماعات متفيدة تتبع زعطان او علان.
قبل اسابيع من الان رفع شيخ لص رسالة الى الرئيس الدنبوع، ورئيس الحكومة يطالب فيها ايجار مطار سيئون في حضرموت وهدد بإغلاقه اذا لم تسلم الحكومة ايجار المطار لسنتين. المطار بحضرموت والمتفيد في صنعاء. هل سمعتم ان مواطنا يمتلك مطارا؟!!
يدَعي هذا اللص ان المطار والاراضي المجاورة له الت اليه في حرب الفيد 94 الهمجية.
اللص المغفل لم يعرف ان مياه كثيرة قد جرت على النهر وان زمنه قد انتهى، وان بيوت صنعاء التي تفيدها والده مصيرها ترجع الى اصحابها، كما ستعود بيوت الرئيس الجنوبي علي البيض الى صاحبها. تصوروا حتى الملح تفيدوه!ا
عصابات الفيد جردت الوطن والمواطن من كل ملكية.
القطاع العام تفيدوه عن طريق ما سموها بالخصخصة؛ باعوه لابنائهم وبناتهم ودزوجاتهم والاقربين بثمن بخس لم يُدفع.
والذي لم يقدروا على تفيده دمروه.
خذوا مثال على ذلك مصانع الغزل والنسيج في صنعاء وعدن دمروها وعطلوها، واوقفوا انتاجها.
عصابات استباحت كل شيء في البلاد واوصلتنا الى الهاوية.
لا حاكما قدوة
مشكلتنا في اليمن هي عدم وجود الحاكم القدوة الذي يتعلم منه الناس.
يقال في الامثال : الناس على دين ملوكهم.
يشهد الناس للرئيس سالم ربيع علي (سالمين ) الذي كان نظيف القلب واليد، وكان يتسلف الى ظهر المعاش؛ كان رجل دولة بامتياز.
وفي الشمال يشهد الناس للحمدي يقال انه كان نظيف اليد، وكان لديه توجه لبناء الدولة، لكن مشكلته عدم ثقته بالقوى الوطنية، او ان القوى الوطنية لم تثق به.
الرجل قرَب ضباط سوق الملح منه، ووثق بهم فقتلوه.
صحيح ان الدولة كان حدودها الروضة، بس كان هناك امن، والناس ذهبوا للعمل، كان في تهريب، وكان بعض موظفي الدولة يرتشون باستحياء.
ثقافة الفيد قضت على اخلاق الناس، وضربت قيم العمل، فلم يعد احد يستطيع العمل لان المردود اقل من الفيد، ولم يعد احد يقوم بواجبه على اكمل وجه.
ثقافة الفيد انتجت لنا اجيالا متفسخة اخلاقيا.
في الواقع الاجتماعي ترى العجب. المرأة تخون زوجها وتصل الامور احيانا الى القتل، الابن ينكر والده، المحاكم تمتلئ بقضايا زنا المحارم، واللواط وخيانة الامانة.
وصلنا الى تبرير الخيانة الوطنية؛ هؤلاء الذين يقتلون مواطنيهم، ويذبحون اخوانهم هم نتاج تربية واخلاق ثقافة الفيد.
في مرحلة ما بعد التسعينات الجنوبيون الذين كنا نعتبرهم قدوة حضارية، هم اليوم اكثر سقوطا في المستنقع، تمشي في شوارع عدن، فتقتل على نوع ملابسك.
في 2014م كنت في ساحل ابين في عدن، رأيت عجبا، رأيت اناسا يخلعون بلاط الرصيف، ورأيت اخرين يخلعون اسلاك الكهرباء. اما اليوم فان الذين كان يشكون من البسط على الاراضي يكسرون اقفال البيوت ويسكنون فيها، بل ويتملكونها، وبعضهم يبنون في وسط الشوارع.
ثقافة الفيد متأصلة في اليمني اينما كان. الجانب الحضاري هو قشرة بسيطة سرعان ما تزول.
المتفيديون الصغار
بعد حرب 94 كان المتفيدون الصغار يبيعون فيدهم على ارصفة الشوارع، تقريبا في كل المدن اليمنية.
على ارصفة شوارع صنعاء كانت من جملة المعروضات كتب خاصة بجامعة عدن عليها ختم المكتبة الجامعية. كان المتفيد يعرض الكتب على عشرين ريال.
اكتشفت وانا اساومه انه امي لا يعرف عناوين الكتب، ولا اهميتها.
كان يوزنها بيده، ويقول : هذا كبير سعره زائد.
ممارسة الفيد حولت الناس الى لصوص يخونون حتى امانة الواجب.
قبل سنوات وقعت سرقة في المتحف الحربي في صنعاء؛ اللصوص سرقوا معروضات ثمينة، بعد البحث والتحقق اكتشف ان اللصوص هم الحراس؛ حاميها حراميها .
ليس هذا فحسب، فجمارك حرض اكثر من مرة تقبض على مئات المخطوطات، ليكتشف ان من يبيعونها هم القائمون عليها.. يستمر الدمار القيمي ويستمر الفيد في كل مكان.
الان تعيش البلاد حربا طاحنة، اغلبها من اجل الفيد؛ المقاومة التي يفترض فيها النقاء والنظافة سجلت اكبر غزوات الفيد.
في مدينة تعز التي تعتبر رمز صمود المقاومة سجلت اعلى حوادث الفيد ليس من قبل من يحاصرون تعز، ولكن من قبل من يقال انهم مقاومة.
تم نهب البنك المركزي وشركة الادوية ، وشركة سام سونج ، ومكتب الزراعة، وكل المكاتب الحكومية في المحافظة التي تقع في مربعات المقاومة.
يقول احد قادة المشترك، وهنا شهد شاهد من اهلهم : ان كل شيء يباع في الاسواق؛ من ادوات منزلية الى قطع غيار الى سيارات الى مستلزمات طبية.
كل ما تفكر به موجود في اسواق المنهوبات.
انها ثقافة الفيد التي لا تبقي ولا تذر.
كانت الطائرات تأتي لتضرب مواقع الحوثيين وهناك من يقفز وسط الضربات ليس ليقاتل، ولكن ليتفيد او ينهب. لا حول ولا قوة الا بالله.
ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
- يحتفظ موقع “المستقبل” باسم كاتب المقال بناء على طلبه.