2024/05/12 3:18:21 صباحًا
الرئيسية >> ميكروسكوب >> ميونيخ بين مالطا ويالطا: ما بعد الاتفاق الروسي الأمريكي في سوريا

ميونيخ بين مالطا ويالطا: ما بعد الاتفاق الروسي الأمريكي في سوريا

  • اتفاق واشنطن وموسكو على وقف الأعمال العدائية في سوريا قد يفتح الباب لتسويات أشمل تمتد إلى البؤر المشتعلة في العراق وليبيا واليمن، وهو لا يعني أن الصراعات ستزول من جغرافيا المنطقة قدر ما ستأخذ شكلا جديدا ومضمونا مختلفا

هل جاء الاتفاق الامريكي الروسي على وقف الأعمال العدائية بسوريا ترجمة لاتفاق أشمل بينهما حول صراعات المنطقة العربية, أم أنه تعبير عن توافقهما فقط على هدنة مؤقتة اقتضتها حاجة الطرفين ومصالحهما في تهدئة التوتر والحيلولة دون تصعيد يقودهما إلى حرب عالمية شاملة؟

تساؤل يفرض نفسه على المعنيين بحرائق الحرب المشتعلة في أكثر من قطر عربي, والمهتمين باستقراء الأحداث واستشراف المستقبل وملامح المرحلة القادمة, من خلال البحث عن إجابته في ضوء معطيات الاتفاق الأمريكي الروسي في سوريا, ومؤشراته الدالة على المستقبل المتاح لصراعات المنطقة العربية على المديين: القريب والبعيد, بالإمكان والاحتمال.

فماذا في الاتفاق وماذا عنه؟!

تقول الوقائع إن التدخل العسكري الروسي في سوريا حدد للحرب الدائرة فيها منذ أكثر من خمس سنوات إطاراً سياسياً واضحا في دلالته على نطاق الدور الروسي وحدوده في الجغرافيا المرسومة للنفوذ والمصالح محل الصراع بين القوى الكبرى, وبما يعني عملياً أن روسيا حددت سوريا نطاقاً لمصالحها الحيوية وأمنها القومي وبما يجعل موسكو جاهزة لكل الخيارات المفتوحة لها للحفاظ على هذا النطاق والدفاع عنه على أساس كونه مجالاً هاماً لمصالحها وأمنها القومي.

لم تستند روسيا في تدخلها العسكري بسوريا على مصالحها وأمنها, بل استندت على القانون الدولي والشرعية الدولية, حيث تصدت في سوريا للتوجه الأمريكي نحو تغيير الحكومات المناهضة لسياسات واشنطن والرافضة لهيمنتها على السيادة الوطنية والاستقلال السياسي, ثم استندت إلى قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بمحاربة الإرهاب وتنظيماته العاملة في العراق وسوريا باسم الدولة الاسلامية “داعش” وجبهة النصرة, وجاء هذا التدخل في وقت كانت فيه المخططات الامريكية لإسقاط الحكومة السورية قد منيت بالفشل والهزيمة, ولم يعد بمقدور السياسية الامريكية تحقيق أي نجاح لها في سوريا, بعد تنامي الخطر الإرهابي وخروج تنظيماته التي حشدت لقتال الحكومة السورية عن السيطرة والاحتواء.

تقول المعطيات الميدانية إن حاجة واشنطن لإعداد جماعات مقاتلة في سوريا يتطلب وقتاً كافياً للنظام السوري مدعوماً بروسيا للقضاء على كل الجماعات المقاتلة والتخلص نهائياً من التنظيمات الارهابية وعليه توافقت واشنطن وموسكو على وقف الأعمال العدائية, ليكون الاتفاق بوابة متاحة للدخول إلى تسويات أشمل لا تتوقف عند سوريا بل تمتد إلى البؤر المشتعلة في العراق وليبيا واليمن.

هنا قد يستعيد الباحث تاريخ التسويات الكبرى بين القوى الدولية التي تمت بعد الحرب العالمية الثانية في مالطا, وبعد انتهاء الحرب الباردة في يالطا, ليستدل منها على صدق قولنا إن الحروب تنتهي دائماً بتسويات مقبولة بين القوى الكبرى على الساحة الدولية تعيد تنظيم صراعها على المصالح ومناطق النفوذ, وعليه, جاء الاتفاق الروسي الامريكي إما تعبيراً عن تسوية كهذه تمت سراً في ميونيخ أو تمهيداً لتسوية كبرى في الغد القريب, تضع نهاية لحروب المنطقة العربية, وتوزعها بين القوى الدولية, يما يضمن مصالحها ويحفظ دورها, ويمنع انزلاقها إلى ويلات الحرب الشاملة.

قد تكون روسيا احتفظت بسوريا, ولكن الولايات المتحدة حققت بدعم الجماعات المقاتلة ضد الحكومة السورية ما تريده لهذه الدولة من ضعف وعجز يفقدها الدور المؤثر في المحيط الجغرافي على القضايا والمصالح الحيوية, واستأثرت مع هذا بنفوذ كامل في ليبيا وحضور دائم في العراق وهيمنة تامة على الجزيرة العربية والخليج.

وبينما خرج محور المقاومة منهكاً خائر القوى, فإن حلفاء الولايات المتحدة واصدقائها في المنطقة العربية خرجوا أقوى وأقدر على الهجوم والدفاع.

كانت مالطا محطة التأسيس لحقبة الحرب الباردة بين القطبين: الاشتراكي والرأسمالي, وكانت يالطا تأسيساً لما بعد الحرب الباردة من هيمنة القطبية الأحادية التي سلمت قيادة العالم لأمريكا وحدها بدون منافس أو شريك, فهل ستكون ميونيخ استعداد لما بعد القطبية الأحادية من حقبة عنوانها الأبرز عالم متعدد الأقطاب؟

لا نستبعد ذلك.. لأن المواجهة بين موسكو وواشنطن في سوريا وصلت إلى مستوى الصدام العسكري الشامل وفرضت بذلك بديلاً لكوارث الحرب الشاملة خرج من ميونيخ باتفاق للتهدئة في سوريا, وتوافق محتمل قبله أو بعده على تسوية شاملة للصراعات الأخرى.

لا يعني أبداً أن يكون الاتفاق حول سوريا تعبيراً عن هدنة مؤقته أو تسوية شاملة, أن الصراعات ستزول من الخارطة أو من جغرافيا المنطقة العربية, بقدر ما يعني أن هذه الصراعات ستأخذ شكلاً جديداً ومضموناً مختلفاً, وفقاً لما تقتضيه حاجات القوى الدولية الكبرى ومصالحها من هدوء يمكنها من تنشيط الاقتصادات العالمية, واستثمار ما خرجت به فوضى الحروب العربية من متغيرات ونتائج ومن مصالح ومطامع تتطلب سلاماً إلى حين.

عبدالله الدهمشي

 

 

اخبار 24

شاهد أيضاً

عبدالملك يأمر بتشكيل لجنة تحقيق عاجلة للكشف عمن قام بافشاء هذا السر الخطير

المستقبل – خاص كشفت مصادر حكومية مطلعة، أن رئيس الوزراء الدكتور معين عبدالملك، أمر بتشكيل ...