” المستقبل” تعليق سياسي
المشروع الذي أعلنه ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان لإنشاء ” تحالف عسكري اسلامي لمواجهة ألإرهاب ذكّر كثيرين بمشاريع الزعيم الراحل معمر القذافي عندما عندما استدعى في احد المرات ممثلين من كل دول وقبائل أفريقيا ليعلن توحيد القارة السمراء تحت خيمته الشهيرة قبل أن ينصب نفسه ملكا لملوك ورؤساء وزعماء وعمد افريقيا.
الفارق بين الحالتين أن مشروع بن سلمان المختلق لم يصمد حتى كثيرا وسرعان ما تصدعت أركانه بعد اعلان حليفها الغربي الأبرز واشنطن رسميا على لسان الناطق باسم الخارجية الاميركية جون كيربي أنها لن تكون جزءا من الترتيبات السعودية المعلنة، ناهيك بالاعلانات التي تقاطرت مع عواصم عربية واسلامية عدة تؤكد أن النظام السعودي حشرها حشرا في المشروع وأعلن عضويتها في التحالف دون مشاورات مسبقة وفقا لما تقتضية القواعد الديبلوماسية.
وحتى اليوم لم تنهض الرياض من كبوتها الديبلوماسية التي خلفت فضيحة أثرت إلى حد كبير بمكانتها الديبلوماسية والسياسية وخصوصا أن هذه الخطوة كشفت عن ارتجالية وعشوائية لدى أركان النظام السعودي في محاولاتهم البحث عن ملاذ آمن وطوق نجاه يجنب المملكة حصيلة سنوات من الحروب واعمال العنف التي مولتها وادارتها في المنطقة العربية نيابة عن حلفائها الكبار.
وأثارت خطوة السعودية اعلان التحالف جدلا عالميا بعدما خرجت وسائل الإعلام السعودية
فجأة وبلا مقدمات تتحدث بلغة واثقة عن ترتيبات و”بيان مشترك” لممثلين من 34 دولة قالت أنها أعلنت تأييدها أو انضمامها إلى تحالف عسكري اسلامي لمحاربة الإرهاب في مشهد تصدره ولي ولي العهد السعودي الذي أعلن بلغة الواثق قيادة السعودية لهذا التحالف الوهمي ومهماته وخطوات انشائه والدول المشاركة فيه.
الاعلام العربي والدولي تعامل مع الحدث بجدية ما اثار حالة جدل واسعة في كثير من العواصم العربية والأجنبية التي تفاجأت بهذا الإعلان بعدما وضعت وسائل الاعلام السعودية الرسمية مشروع بن سلمان في إطار ترتيبات اقليمية وهمية حددت بالأسم الدول المشاركة في التحالف في سياق لم يختلف كثيرا عن السياق الذي أدارته واشنطن عندما أوكلت للرياض قيادة تحالف لشن حرب على اليمن بذريعة اعادة الشرعية ومحاربة النفوذ الأيراني على أن تتولى دفع تكاليف هذه الخطوة لاحقا.
بن سلمان أعلن في مؤتمر صحافي عما سماه تحالف يجري الترتيب لانشائه في أسرع وقت ويضم 34 دولة محددا الخطوات اللاحقة للمشروع بانشاء ” غرفة عمليات للتحالف في الرياض لتنسيق جهود محاربة ألإرهاب فضلا عن تحديده الدول التي سنفذ التحالف فيها عمليات عسكرية ” من بينها سوريا والعراق وسيناء واليمن وليبيا ومالي ونيجيريا وباكستان وأفغانستان” .
بن سلمان اشار أيضا إلى أن غرفة عمليات التحالف في الرياض ستحصر “المنظمات الارهابية أيا كان تصنيفها” وأن العمليات العسكرية التي سينفذها التحالف وخصوصا في سوريا والعراق ستتم بتنسيق مع ما سماه ” الشرعية في ذلك المكان ومع المجتمع الدولي ومع الدول المهمة في العالم والمنظمات الدولية” كما اكد أن “العمليات العسكرية للتحالف لن تقتصر على تنظيم ” داعش” بل على ” أي منظمة إرهابية تظهر أمامنا وسوف نتخذ اجراءات لمحاربتها”.
لم تمض سوى ساعات حتى بدأت ردود الفعل العربية تتعالى على هذا المشروع الذي فاجأ العواصم التي أعلنت الرياض أنها وافقت على انشائه وكانت لبنان أول دولة أبدت استغرابها لهذه الخطوة التي قالت أنها لم تشارك فيها ولم تجري أي مشاورات رسمية بشأنها معلنة رفضها الانضمام لهذا التحالف.
الموقف اللبناني تلاه مواقف مشابهة من دول عدة اعلنت الرياض انضمامها للتحالف تصدرها باكستان وسلطنة عمان واندونيسيا والتي ابدت استغرابها ورفضها المشاركة في التحالف في مواقف بدا فيها الكثير من السخرية حيال الإعلان السعودي لهذا التحالف ومزاعم الدول المشاركة فيه.
واشنطن حليف الرياض الرئيسي ابدت كذلك استغرابها من هذه الخطوة التي قال المتحدث باسم الخارجية الاميركية أن واشنطن لم تكن على علم بها قبل أن تؤكد أنها لن تكون جزء من هذه الترتيبات فيما تجاهلت بريطانيا الحدث تماما واكتفت بتسريبات للصحف قالت إن هذا التحالف وهمي وليس له وجود حقيقي.
الموقف الأميركي المؤيد عبر عنه من السيناتور الجمهوري جون ماكين الذي هالته الفكرة الشيطانية وأعلن تأييده الكامل لها بل حدد لها هدفا أكبر من الحرب على إرهاب داعش” يتمثل في الحرب على النظام السوري واسقاط الرئيس بشار الأسد.
وفقا لكثير من المحللين فقد اراد بن سلمان بهذه الخطوة صناعة مظلة وهمية تقي السعودية الهزات المرتدة نتيجة تدخلها العسكري المكشوف في العديد من البلدان العربية بعدما بدت ثمار هذا التدخل تتحول علقما تتجرعة الرياض وحدها دون حلفائها الدوليين الذين دفعوها دفعا للغرق في المستنقع السوري ثم المستنقع اليمني.
زاد من ذلك الهزائم والخسائر الكبيرة التي سجلتها السعودية في حربها على اليمن والتي خرجت تداعياتها عن السيطرة بعد تسعة اشهر من فشل الرياض وحلفائها تسجيل انتصارات على الأرض وتكبدها خسائر لا تحصى في الأرواح والعتاد.
ويشير هؤلاء إلى أن السعودية أدركت متاخرة أنها أوقعت نفسها في مأزق كبير بعدما تبدلت قواعد اللعبة في سوريا واليمن وفقدت زمام التحكم والسيطرة والادارة دفعة واحدة وخصوصا بعدما وجدت نفسها عاجزة تماما عن محاصرة تداعيات حربها في اليمن.
وحيال ما احدثته من خراب طوال السنوات الماضية في غير بلد عربي ثمة مخاوف واسعة لدى اركان العائلة السعودية الحاكمة من طوفان أزمات ستواجهها المملكة بعدما كشفت تداعيات الحرب الميدانية بين قواتها والجيش اليمني واللجان الشعبية عجزها حتى عن حماية مدنها وحدودها رغم ما تملكة من ترسانة وأموال ونفوذ ديبلوماسي في المحافل الدولية.
أبو بكر عبدالله