كثيرة هي التساؤلات التي أثارتها المشاركة العمانية في مناورات مع إيران تحتضنها سواحل الأولى هذه الأيام، لا سيما أن هذه المناورات تأتي بعد أيام قليلة من أخرى لدول الخليج اعتذرت السلطنة عن المشاركة فيها رغم أنها ضمت كافة الدول الأخرى مجلس التعاون.
واختتمت بدولة الكويت، الخميس الماضي، مناورات «حسم العقبان 2017» بمشاركة القوات المسلحة بالولايات المتحدة وبدول مجلس التعاون الخليجي ما عدا عمان.
فيما انطلقت السبت الماضي، مناورات بين قوات بحرية إيرانية وأخرى عمانية على سواحل الأخيرة بهدف إجراء عمليات ومناورات إسعاف مشتركة مع القوات البحرية العمانية.
ونقلت وكالة «تسنيم» الإيرانية عن الأميرال «حسين آزاد» قائد المنطقة البحرية الأولى في الجيش أنه نظرا لمكانة وأهمية الحدود البحرية الجنوبية والمحيط الهندي في المجال الاقتصادي البحري وكثرة تردد السفن التجارية وناقلات النفط في هاتين المنطقتين، فإن هذه المناورات المشتركة بين القوتين البحريتين الإيرانية والعمانية تأتي بهدف تأمين الملاحة في هاتين المنطقتين، ورفع الجهوزية الأمنية، والتدرب على القيام بالعمليات الإغاثية.
الحياد والانحياز
وهنا كان السؤال الملح هل تهاون دول الخليج مع سلطنة عمان وإطلاق الحبل على الغارب لها في اتباعها سياسة «الحياد» في العديد من القضايا التي تطون فيها طهران طرفا بشكل مباشر أو غير مباشر مع دول الخليج، جعل هذه السياسة تتحول من «الحياد» إلى «الانحياز» لصالح إيران؟.
ولعشرات السنين، حافظ السلطان «قابوس بن سعيد» على الحياد والتوسط والتوازن في السياسة الخارجية لبلاده. وتمتع بالدعم العسكري الإيراني، والدعم الأمني السعودي، والعلاقات التجارية مع كليهما، لكن سياسة مصادقة الجميع وعدم معاداة أحد التي تنتهجها السلطنة أصبحت تحت ضغط ثقيل.
ولم تجد عمان من السهل مطلقا موازنة العلاقات مع دول الخليج وخاصة السعودية الواقعة إلى الغرب منها وإيران في شماليها لكن التنافس الذي يزداد شدة بين القوتين المهيمنتين في المنطقة يختبر سياستها الراسخة بعدم الانحياز أكثر من أي وقت مضى.
ويتعدى أثر تلك السياسية حدود السلطة الصغيرة ذات الموقع الاستراتيجي على مضيق هرمز الذي يمر به 40 بالمئة من النفط الخام العالمي المنقول بحرا.
فقد ساعدت عمان في التوسط في المحادثات الأمريكية الإيرانية عام 2013 التي أدت إلى اتفاق نووي تاريخي وقع في جنيف بعد عامين، وساعدت أيضا في تحرير رهائن أمريكيين في اليمن.
بيد أن السعودية التي تقود حملة قصف ضد الحوثيين في اليمن تصر على ضرورة تقارب دول الخليج العربية لمواجهة إيران.
وفي الوقت نفسه تتخذ سلطنة عمان مواقف ربما تكون أقرب إلى إيران من دول الخليج، رغم أنه لا جديد على الساحة فيما يعلق بالقضايا الإقليمية الكبرى ومن بينها الأزمتين اليمنية والسورية.
فلا تزال سلطنة عمان تشرع أبواب سفارتها في العاصمة دمشق، رغم أن بقية دول الخليج تدعم المعارضة السورية، وتدعو إلى تنحي رئيس النظام السوري، «بشار الأسد» الذي تدعمه إيران عسكرياً.
كما يوجد تباين واضح بين سلطنة عمان وبقية دول الخليج فيما يتعلق بالأزمة اليمنية، فمنذ 26 مارس/آذار 2015، يشن التحالف العربي وبمشاركة دول الخليج ما عدا عمان، عمليات عسكرية في اليمن ضد قوات الحوثيين والرئيس السابق «علي عبد الله صالح».
في المقابل، فإن عمان تحمل، وعلى قدم المساواة، جميع الأطراف اليمنية (الحوثيين – صالح – الحكومة الشرعية) المسؤولية عما يحدث في البلد العربي؛ ولذلك تستقبل وفودا حوثية، وتستضيف لقاءاتهم مع مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل «ولد الشيخ أحمد»، ولا تصفهم بالانقلابيين.
كل هذه الثوابت في المواقف تزيد من صعوبة الوصول إلى إجابة على السؤال الخاص بعدم مشاركة السلطنة في مناورات «حسم العقبان» ومشاركتها في الوقت ذاته في مناورات إيران.
ويبقى العامل الأكثر أهمية بالنسبة لسلطنة عمان، هو الاقتصاد، فيقول محللون إن أي تصور بأن مسقط تتحالف مع الرياض ربما يثير حفيظة إيران، ولدى إيران احتياطيات أجنبية بمليارات الدولارات في البنوك العمانية وقد تتراجع عن المشروعات التي تعهدت بتنفيذها في السلطنة.
وتعتبر عمان الاستثمارات الأجنبية القادمة من إيران بما في ذلك مصنع سيارات ومجمع مستشفيات ومصنع لتكنولوجيا النانو عاملا مساعدا في تنويع موارد الاقتصاد بدلا من الاعتماد على النفط.
ولعل هذا ما جعل يكون سبب في محاولة عمان إرضاء إيران بموقفها من المناورات الأخيرة، لا سيما أنها تزامنت مع القمة العربية الأخيرة والتي حملت مواقف ربما كانت معلومة مسبقا، وصفت بأنها كانت الأكثر تشددا مع إيران.
توصيات القمة العربية
وطالبت القمة إيران بلهجة متشددة، بعدم التدخل في شؤون الدول العربية وخاصة الخليجية والتزام سياسة حسن الجوار، حيث أنه بالإضافة إلى العلاقات المترترة مع السعودية، تشهد العلاقات البحرينية الإيرانية تجاذبات سياسية، على خلفية اتهامات المنامة لطهران بالتدخل في الشأن الداخلي البحريني عبر دعم المعارضة الشيعية.
كما طالبت الجامعة إيران أيضا بإنهاء احتلال الجزر الإماراتية الثلاثة (طنب الكبرى، طنب الصغرى، أبو موسى).
وهي المطالبات التي استدعت إيران إلى الرد في بيان رسمي على القمة العربية، وطالبتها بضرورة التمييز بين الصديق والعدو وعدم جمع الكل في سلة واحدة، وهو بيان كان شديد اللهجة أيضا وكشف عن حجم الضيق الإيراني من توصيات القمة العربية.
وفي هذا الصدد لا يمكن إغفال أيضا أن العلاقة بين عمان وإيران دائمة وطويلة الأمد، واستفادت مسقط من المساعدة الإيرانية في هزيمة التمرد الكبير في السبعينات، وهي اليوم شريك سياسي واقتصادي رئيسي لإيران.
وبين عامي 2012 و2013، نمت التجارة الثنائية بين البلدين، كما ورد، بما يقارب 70 بالمائة، ووصلت إلى 873 مليون دولار، وبنهاية عام 2015، تجاوز هذا الرقم 1 مليار دولار، ورحبت عمان أيضا بالاستثمار الإيراني المباشر في قطاعات الاقتصاد غير النفطية في البلاد.
وكانت العلاقة قوية جدا حتى مع قطع باقي دول مجلس التعاون الخليجي العلاقة الدبلوماسية أو التخفيض من تمثيلها الدبلوماسي مع إيران بعد الهجوم على السفارة السعودية في طهران في يناير/كانون الثاني عام 2016، وقامت عمان بتوبيخ طهران، لكنّها لم تتبع الإجراءات الأخرى.
وبدلًا من ذلك، في فبراير/شباط، ذهب وزير الشؤون الخارجية العماني «يوسف بن علوي بن عبد الله» إلى طهران لمناقشة تعزيز العلاقات بين البلدين.
وفي مارس/آذار 2016، أعلنت شركة إيران خودرو لتصنيع السيارات إنشاء مشروع مشترك بقيمة 200 مليون دولار لتصنيع السيارات في عمان. وفي الواقع، دائمًا ما فضّلت السلطنة معالجة الخلافات من خلال المشاركة، بدلًا من السياسات المندفعة والاستراتيجيات التي تحدّد العلاقات السعودية الإيرانية اليوم.
المصدر | الخليج الجديد