2024/05/19 10:09:28 مساءً
الرئيسية >> أحدث الأخبار >> ماذا وراء تصريحات ترامب عن الحماية والمحميات الاميركية ؟ (مقاربة تحليلية)

ماذا وراء تصريحات ترامب عن الحماية والمحميات الاميركية ؟ (مقاربة تحليلية)

 

يدل المعنى الظاهري في أحاديث المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية عن الحماية والمحميات الأمريكية على تحول جوهري في الرؤية الاستراتيجية للإدارة القادمة إلى البيت الأبيض بانتخابات نوفمبر المقبل, لسياسات الحماية التي قدمتها الولايات المتحدة لدول معنية في المنطقة العربية, وهو التحول الذي لا يتوقف عند الوعد الانتخابي لترامب بإلغاء المجانية التي قدمت بها هذه الحماية لأكثر من 73 عاماً, وعزمه بيعها بثمن مدفوع, وإنما يمتد إلى ما هو أبعد من هذا وأعمق في الأسس الاستراتيجية للسياسة الخارجية الامريكية عموماً ولهذا السياسة تجاه المنطقة العربية وقضاياها تحديداً.

فماذا في أحاديث ترامب غير المسبوقة عن الحماية والمحميات الامريكية؟ وماذا في مزاعمه عن مجانية هذه الحماية في الماضي وعن توجهه لبيعها في المستقبل بثمن مقبوض؟ وما هو الثمن الذي سيحدده ترامب لهذه الحماية إذا فاز بالرئاسة في الانتخابات المقبلة؟ وما هو مصير مسألة الحماية إذا خسر ترامب الانتخابات وفازت بها منافسته المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون؟

نبدأ قراءتنا لأحاديث ترامب عن الحماية والمحميات الامريكية من مزاعمه حول مجانيتها في الفترة الماضية, فمن غير المقبول بمنطق العلم وحكم العقل تصديق قوله إن الولايات المتحدة قدمت حمايتها لدول معينة لأكثر من 75 عاماً هدية مجانية, وعملاً خيرياً, وإحساناً لم تقبض منه أجراً ولم تسأله عليه ثمناً, فهذا أمر مناقض لفلسفة النفعية الحاكمة للسياسة الأمريكية والسائدة في علاقاتها وتعاملاتها مع الحلفاء والأصدقاء وحتى الأعداء, ومع ذلك فإن مزاعم ترامب عن مجانية الحماية الامريكية تجعلنا نتساءل من جديد عن المحميات التي حظيت بها, ولماذا قامت أمريكا بحمايتها؟ وممن حمتها وكيف وفرت هذه الحماية خلال الفترة الماضية؟ ولماذا يريد ترامب وقف مجانيتها واشتراط بيعها يثمن لمن يريد بقاءها واستمرارها؟

عندما نعرف أن الدول المشمولة بالحماية الأمريكية هي أسر الملك في مجلس التعاون الخليجي سنعرف أن الباعث على الحماية والهدف منها هي الثروة النفطية الضخمة في اراضي هذه الممالك والإمارات, والتي تثير أطماع كثير من القوى الاقليمية والدولية, في وضع تعجز فيه هذه الممالك والإمارات الصغيرة والضعيفة عن حماية ثرواتها والدفاع عنها ومواجهة القوى الطامعة فيها والتصدي لمؤامراتها العدوانية المباشرة والغير مباشرة, وهو ما دفعها إلى الاحتماء بقوة الولايات المتحدة الأمريكية, التي كانت حاجتها إلى هذه الحماية أكبر من حاجة كل المحميات, ومصلحتها منها أعظم من مصالح كل المحميات أيضاً, وهذا ما أكدته جميع الاستراتيجيات التي اعتمدت عليها كل الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض منذ مبدأ إيزنهاور لسد الفراغ وحتى استراتيجية كارتر لقوات الانتشار السريع, وقوفاً عند استراتيجيات الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة وما يعد به المرشح الجمهوري عن ثمن الحماية والمحميات الأمريكية.

وفرت هذه الحماية للولايات المتحدة هيمنة كاملة على منابع النفط العربي ومصادره, وسيطرة تامة على عمليات الاستكشاف والتنقيب والاستخراج, وتحكماً مطلقاً بالإنتاج والتوزيع وبالقيمة والأسعار, وبالعوائد والمردودات المالية, لتبقى الولايات المتحدة بهذه الهيمنة على أهم واكبر مصادر الطاقة البترولية في العالم قوة اقتصادية عظمى متفردة بالسيطرة والتحكم في نشاط الاقتصاد العالمي كله, وهذا كان ثمناً باهضاً قبضته أمريكا من حمايتها لأسر الملك المجتمعة في مجلس التعاون الخليجي والمالكة المتفردة للثروة النفطية الهائلة في الأراضي العربية, والمتصرفة فيها بإطلاق لا حسيب عليها ولا رقيب وبخضوع تام وتبعية كاملة لما تمليه عليها السياسات الامريكية.

ولا شك أن الولايات المتحدة نجحت لأكثر من 75 عاماً في حماية أسر الملك من أخطار السقوط الذي تهددها بتنامي قوة حركة التحرر الوطني, والمد الثوري للقومية العربية, حين تمكنت هذه الحركة في أقطار عربية كبرى من اسقاط الأنظمة الملكية وإجلاء الجيوش الاستعمارية, كما أن هذه الحماية وفرت للمحميات قوات الردع الكفيلة بدفع الأطماع الأجنبية في ثرواتها وردع القوى الكبرى اقليمياً ودولياً عن التآمر على هذه المحميات وتهديد أمنها واستقرارها بأي قدر وبأي شكل, لأن الولايات المتحدة أكدت في كل رؤاها الاستراتيجية للأمن القومي والمصالح الحيوية على استنادها الدائم على نفط الجزيرة والخليج وأمن “اسرائيل” في فلسطين المحتلة, وهذا ما ظهر واضحاً في استراتيجية كارتر لقوات الانتشار السريع, وتم تطبيقه عملياً بعد ذلك اثر الغزو العراقي للكويت في اغسطس 1990م, عندما تحركت الجيوش الامريكية بسرعة لحماية المملكة السعودية أولاً, ثم لتحرير الكويت بعد ذلك في عاصفة الصحراء عام 1991م.

ينطلق  ترامب في أحاديثه عن تحول محتمل في رؤية إدارته لسياسة الحماية الامريكية عن يقينه باستمرار الحاجة إليها في المحميات, ومن قبول هذه المحميات بدفع الثمن الذي يحدده لبقاء واستمرار الحماية الأمريكية وهو ما يعني ضمناً استمرار الحالة التاريخية التي استدعت هذه الحماية قبل 75 عاماً, أي بقاء هذه المحميات في حالة عجز وضعف عن حماية نفسها من الأخطار التي تتهدد عروش الأسر المالكة من الداخل والخارج على حد سواء, وهذا ما أكده الرئيس الامريكي الحالي باراك أوباما, في معرض حديثه عن تعهدات إدارته بأمن واستقرار المحميات وحمايتها من تهديدات الخطر الايراني المحيط بها, مشيراً إلى أن هذه المحميات مهددة من الداخل بأكثر وأخطر مما يتهددها من الخارج, وأن عليها الاسراع في تنفيذ إصلاحات جريئة وكبيرة في السياسة والإدارة والاقتصاد وما يتصل منها بحريات وحقوق المواطنين, وهذا ما يضفي الأهمية الكبرى على أحاديث ترامب حول رؤيته المستقبلية لسياسة الحماية وعلاقة بلاده بالمحميات, فهل تنفصل الحماية الامريكية عن مجمل الأسس الاستراتيجية للسياسة الامريكية تجاه المنطقة العربية وقضاياها؟!

لقد تمكنت الحماية الامريكية من الدفاع عن اسر الملك في المجلس الخليجي ضد الأفكار الثورية والحركات التحررية ودعوات التوحد القومي للأمة العربية ومحاولات التحديث السياسي والتنمية المستقلة على أسس من النظم الجمهورية والاشتراكية, لكن زوال هذه الأخطار واندثار تهديداتها الفكرية والعملية وسقوط نماذجها القوية في مصر والعراق ثم ليبيا وسوريا, تزامن مع صعود خطير جديد ممثله التيار الديني وجسدته الثورة الشعبية ثم الجمهورية الاسلامية في ايران من جهة, وحملته التنظيمات الجهادية والجماعات المتطرفة في المنطقة العربية من جهة أخرى, وهو ما أبقى المحميات الامريكية عرضة لخطر السقوط وأخطار العدوان الايراني المتحرك على أساس طائفي وبراية شيعية, وهذه الحالة التي استدعت وتستدعي بضعف وعجز المحميات, الحماية الامريكية, فما هو الثمن الذي ستقبل المحميات بدفعه لبقاء واستمرار الحماية الامريكية؟

إذا كانت أحاديث ترامب تكشف صراحة عن الحماية والمحميات, فإن هذه المسألة من صلب الاستراتيجيات الثابتة للسياسة الخارجية الامريكية, تجاه المنطقة العربية وقضاياها وتجاه العالم ككل, وهو ما يعني حضور مسألة الحماية في الرؤية العامة للمرشحة الديمقراطية, وأن ثمن الحماية قد أشير إليه في أحاديث ساسة واعلاميين أمريكيين, حين هددت السعودية بسحب ودائعها الضخمة واستثماراتها الكبيرة في الولايات المتحدة إذا أقر الكونجرس حق مقاضاتها على التورط في هجمات 11 سبتمبر 2001م, عندما أشار هؤلاء إلى أن الأموال السعودية في الولايات المتحدة لا تكفي ثمناً للحماية التي قدمتها امريكا لعرش الملك السعودي لأكثر من 75 عاماً, وعليه, فإن الحماية الامريكية ستكون معنية بحماية الأسر المالكة من أخطار الإرهاب السني, والتمدد الشيعي والتهديدات الايرانية, وأيا كان الفائز بالرئاسة الامريكية, فإن هذه المسألة ستبقى في صدر قائمة الأولويات الامريكية في سياستها تجه العرب وفي علاقتها بالمحميات, فما هو الثمن المحتمل أن تطلبه الإدارة الأمريكية من المحميات دفعه لبقاء واستمرار حمايتها؟!

ليس شرطاً أن يكون المال هو الثمن المطلوب للحماية الامريكية, إذ من المحتمل أن يكون الثمن هو تحمل المحميات التبعات السياسية والاقتصادية لهذه الحماية تجاه ما يتصل منها بقضايا المنطقة والعلاقات بين دولها, وهنا تبرز القضية الفلسطينية وما يترتب عليها من صراع وتسويات, لتكون هي المصدر المحدد للثمن المطلوب من المحميات دفعه سياسياً بمواقف محددة من التسوية السلمية للقضية الفلسطينية تضمن القبول بدولة اسرائيل ضمن الحل الأمريكي للدولتين, وتتعامل, بل وتدخل معها في شراكة اقتصادية وتحالف عسكري فاعل في محاربة الإرهاب ومواجهة إيران.

ترى الاسترايتيجا الأمريكية الراهنة, أن الفرصة سانحة في المنطقة العربية, لإحلال السلام وحل القضية الفلسطينية سلمياً على أساس الرؤية الامريكية للدولتين, فقد نجحت واشنطن في القضاء على الأنظمة العربية المارقة والتخلص من محور الشر الذي تمثل بالعراق وليبيا ثم سوريا, وهيمنت على الواقع العربي الحركات الانعزالية والمتناثرة تحت هويات طائفية وعشائرية في حدود مناطقية منسلخة عن الجغرافيا الوطنية للدولة القطرية, وعن القومية العربية هوية ودعوة, انتماء وحركة, وغارقة في حروبها البينية, وهو ما يؤمن لدول الخليج التوجه نحو “اسرائيل”, ويتيح لها التخلص من القضية الفلسطينية وتبعات الصراع العربي – الصهيوني, بتسوية نهائية مؤمنة من أي اعتراض رسمي أو معارضة شعبية, ولهذا لا غرابة أن تتزامن مع أحاديث ترامب عن الحماية تحركات معلنة للدول الخليجية, وتحديداً, للسعودية باتجاه الاتصال والالتقاء بمسئولين “اسرائيليين” في فلسطين المحتلة وفي عواصم أخرى.

إن التسوية السياسية للقضية الفلسطينية وقبول أطرافها بالمقترح الأمريكي لحل الدولتين, يخرج اسرائيل من مواقع الخطر الذي يتهدد الأقطار العربية, ويجعل ايران المصدر الوحيد الذي يتهدد كل العالم السني, ويستدعي مواجهته كأولوية عربية بمرجعية طائفية باعتباره صراعاً سنياً شيعياً خالصاً من الاعتبارات الوطنية والقومية في المقابلة بين الأمتين, الفارسية والعربية, وهذا ما تتصدر مملكة آل سعود قيادته تحت مسمى التحالف العربي الاسلامي, لمحاربة الارهاب, والتصدي للأطماع الايرانية التوسعية, في العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن, وما سيأتي من بقية هذا التحول في الصراع وقواه وعلاقاتها لن يختلف عما كانت عليه الصورة القديمة للعلاقة بين الحماية الامريكية ومحمياتها إلا في الأسماء والهيئات الشكلية.

ستقبل أسر الملك في المجلس الخليجي بالثمن المطلوب امريكياً لبناء واستمرار الحماية وبالشروط التي تجعل “اسرائيل” محور هذه الحماية, والقوة الضامنة لبقائها واستمرارها, والقادرة على مواجهة الخطر الشيعي الايراني وردعه اقتصادياً وعسكرياً, وبهذا تتحرر واشنطن من عبء الالتزامات المالية والعسكرية التي تحملتها في سنوات الحماية المزدوجة للنفط العربي وأمن اسرائيل, فالتحالف العسكري المحتمل بين “اسرائيل” والممالك النفطية سيمكن اسرائيل من أداء دور الوكيل المباشر للقوة العسكرية الامريكية, كما انها بالشراكة الاقتصادية مع الممالك النفطية ستخفف عن الخزانة الامريكية ما كانت تقدمه لاسرائيل من منح ومساعدات مالية وعتاد عسكري, وفي مسار هذا التصور النظري للمستقبل تبقى الاحتمالات مفتوحة على رد الفعل الموعود والمجهول!

عبدالله محمد الدهمشي

 

اخبار 24

شاهد أيضاً

الهيئة العامة للزكاة تدشن مشروع السلال الغذائية النقدية لـ 6 آلاف جريح بقيمة 150 مليون

المستقبل نت: دشنت الهيئة العامة للزكاة الخميس بصنعاء، بالتنسيق مع مؤسسة الجرحى، مشروع توزيع السلال ...