2024/05/20 2:36:45 مساءً
الرئيسية >> الأخبار >> اليمن >> متغيرات الاستراتيجية الأمريكية في الوطن العربي .. مقاربة تحليلية

متغيرات الاستراتيجية الأمريكية في الوطن العربي .. مقاربة تحليلية

  • العامل الأهم في كل نجاح أميركي في المنطقة العربية يكمن في قوى الأمة العربية وفي عجزها وثبات استجابتها لمحفزات التدمير الذاتي والاهدار المفرط لكل مقومات القوة وعناصر البقاء والنماء في الوجود والمصير.

عبدالله محمد الدهمشي

تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2011م, من إسقاط أربعة أنظمة حكم في المنطقة العربية, متجنبة الخسائر الفادحة التي حصدتها من الغزو العسكري للعراق في العام 2003م, وما كسبته بهذا الغزو من عزلة دولية وسوء سمعة شوهت صورتها كقائدة للعالم الحر وراعية للحريات وحقوق الانسان.

استطاعت الإدارة الأمريكية تغيير حكام كل من تونس ومصر وليبيا واليمن, ومستخدمة حركات الاحتجاج الشعبي في هذه الأقطار ومستعينة بها لشرعنة خططها في تنفيذ استراتيجيتها القديمة المعلنة لإعادة رسم الخريطة العربية تحت عنوان “الشرق الأوسط الجديد أو الكبير” وبصورة مختلفة لاستخدام القوة العسكرية عما كان عليه هذا الاستخدام في فترتي رئاسة بوش الابن, وذلك وفقاً للمبادئ الجديدة التي قدمها الرئيس باراك أوباما للعرب والعالم في خطابه الشهير بجامعة القاهرة عام 2009م.

قد تكون الانتفاضات الشعبية التي اندلعت في أقطار ما عرف بالربيع العربي, أحداثاً وطنية خالصة, وتعبيراً طبيعياً وعملياً عن التوق الشعبي الجامح في تلك الأقطار وغيرها للتغيير والتحول نحو الحرية والديمقراطية والحكم الرشيد, ولكن هذه الانتفاضات في انطلاقتها السلمية وفي تتابع حركتها التي كادت أن تعم الوطن العربي, كما في مساراتها ومآلاتها على مدى خمسة أعوام, تكشف في مجملها وتفاصيلها عن دور أمريكي خفي وظاهر إن لم يعمل على تفجير الانتفاض الشعبي, فقد أحسن استخدامه والانتفاع به ومنه, لصالح الاستراتيجية الأمريكية الجديدة, والتي عبر عنها الرئيس أوباما بإشارته إلى أن دور واشنطن يتحدد في عهده بمساعدة ودعم أي تحرك نحو التغيير في المنطقة العربية وليس من مهام واشنطن نشر هذا التغيير أو صناعته بالقوة كما حدث في العراق.

وهنا يثور سؤال مشروع عن دور واشنطن في دعم انتفاضات شعبية بدأت ضد أنظمة حكم عربية حليفة للولايات المتحدة وضمن أهم أصدقائها في المنطقة العربية, وخاصة نظامي بن علي في تونس ومبارك في مصر, وهذا التساؤل يتيسر لنا معرفة جوابه, بمعزل عن التخندق في نظرية المؤامرة بموقفي القبول أو الرفض, وذلك بالتحليل الموضوعي والاستقراء المنهجي لوقائع ثلاث, هي:

أولاً: ان الدراسات الامريكية للواقع السياسي في كل الأقطار العربية وفرت لصناع الاستراتيجيات العامة أرضية معلومات كافية لتوقع حدوث حركة احتجاج شعبي ذاتية وغير موجهة من قوى أخرى في الداخل والخارج, وبالتالي كانت إدارة أوباما, جاهزة ومستعدة مع كافة الاحتمالات المتصلة بالتعامل مع حدث كهذا, بل وقادرة على المساهمة الفعالة في تحقيق تلك التوقعات إن تأخر حدوثها عن وقته ومكانه, من خلال ما أنجزته سابقا من صلات وارتباطات بقوى سياسية ومجتمعية, عرفت بالنشطاء والمجتمع المدني, ووفقاً لتلك الدراسات وما صدر بمرجعيتها من مقالات وتقارير, كانت تونس ومصر واليمن, مرشحات لأحداث سياسية عاصفة.

ثانياً: لم تتردد إدارة أوباما في الانحياز بموقفها السياسي إلى جانب الانتفاضات الشعبية المطالبة بالتغيير في أقطار “الربيع العربي”, وتجلى هذا الانحياز في وسائل الاعلام الموجهة للرأي العام في الأقطار العربية, التي جعلت هذه الانتفاضات محور كل رسالتها الاعلامية على مدى الساعة في كل أيام “الربيع العربي”, مرتكزة ومركزة على شيطنة أنظمة الحكم بإطلاق احتكر الحق كله لفعل الانتفاض الشعبي المشروع والسلمي والواجب الانتصار له والاستجابة لمطالبه حتى أصبح القضاء الاعلامي كله صوت هذه الانتفاضات وصورتها التي تفنن دهاقنة وصناع الاتصال الجماهيري في تركيبها وإخراجها, وفي توجيهها وترويجها.

ثالثاً: ومنذ اللحظة التي انطلق منها الربيع العربي من تونس منجزاً أسرع انهيار لسلطة حكم, وأوسع انتشار للنموذج في المحيط العربي تحركت الإدارة الأمريكية للتحكم بالحدث والسيطرة على حركته في الواقع, ليتجه صوب ما ترومه واشنطن من تغيير يخرج من الخارطة الجديدة للوطن العربي, القوى المقاومة للهيمنة الأمريكية, والمدرجة رسمياً في سياسة واشنطن بـ “محور الشر”, حيث تبقى من هذا المحور بعد الاحتلال الانجلو – امريكي للعراق كل من سوريا وليبيا.

وفي ليبيا ومنها, ابتدأت إدارة أوباما, العمل باستراتيجيتها الجديدة, حيث خرجت من عزلتها الدولية التي اكتسبتها بالقرار المنفرد بغزو العراق في انتهاك فج وصريح للشرعية الدولية, وذلك بالعودة إلى هذه الشرعية والعمل تحت رايتها ومع كل حلفاء واشنطن, وقيادة القوة العسكرية لحلف شمال الأطلسي للعدوان على ليبيا والتخلص من سلطة ودولة الشهيد معمر القذافي, مستخدمة من أسمتهم ثوار ليبيا كجيش ميداني اقترف بالنيابة عنها كل الجرائم ضد الانسانية والانتهاك البشع للعدالة وحقوق الانسان, حيث شهدت ليبيا مع عدوان الأطلسي وبعده وحتى اللحظة فظائع القتل والأسر, وفواحش التخريب والتعذيب فغطت وحشية وفظاعة قتل الأسير الشهيد معمر القذافي كل انتهاكات وجرائم واشنطن بحق الأسير الشهيد صدام حسين.

غير أن الدور الأمريكي في عدوان الأطلسي على ليبيا لم يتأكد فقط بالقيادة المباشرة لهذا العدوان, بل وبما صدر عن الرئيس أوباما نفسه من تصريحات عقب سقوط الدولة الليبية ومقتل قائدها الشهيد معمر القذافي, وهي التصريحات التي كشفت ما تبقى من عناصر الاستراتيجية الجديدة لواشنطن في المنطقة العربية, حين قال أوباما إن إدارته, خاضت حرباً وصنعت نصراً دون أن تخسر جندياً واحداً, وفيما بعد كشف الراحل العظيم محمد حسنين هيكل, عن حقيقة صادمة في دلالتها, حيث أشار وبالوثائق إلى أن الكلفة الإجمالية المالية لعدوان الأطلسي على ليبيا لم تتجاوز 13 ألف يورو, هي نفقات المراسلات بالبريد الالكتروني والفاكس ذلك ان التكلفة دفعا المال الخليجي وقرابة 270 مليار دولار هي ودائع الصندوق السيادي الليبي التي صودرت باسم انها أموال القذافي .

وفي آخر خطاب له من البيت الأبيض عن حالة الاتحاد بفبراير الماضي, قال أوباما, إنه وضع المنطقة العربية في أتون حروب وصراعات ستستمر لجيل كامل, ولا شك, بل ولا جدال, في أن اوباما, باستراتيجيته الجديدة لم يتمكن من النجاح في إدارة وتنفيذ هذه الاستراتيجية بقوته الذاتية, أو بدهائه الفائق, بل كان العامل الأهم في كل نجاح أمريكي, تحقق قبل أوباما ومعه, وسيتحقق بعده وإلى حين, يكمن في قوى الأمة العربية, وفي عجزها وثبات استجابتها لمحفزات التدمير الذاتي والاهدار المفرط لكل مقومات القوة والقدرة, وعناصر البقاء والنماء في الوجود والمصير.

وإجمالاً, سيغادر أوباما البيت الأبيض في العام المقبل, وقد ترك المنطقة العربية كما تريدها الاستراتيجية الأمريكية وبصورة تخلو تماماً من أعضاء قدامى أو جدد, فيما تصفه واشنطن “بمحور الشر”, أو تصنفه في معسكر التطرف والطغيان, وبحيث يوجد في خارطة الشرق الأوسط الجديد, فقط أصدقاء الولايات المتحدة أو حلفائها, فإذا تبقى في هذه الخارطة, أقطار أو حركات عربية تتمسك بالمقاومة, فهو بقاء محدود وبحالة إنهاك كلي لقوته ودوره, ذلك أن خروج سوريا من العدوان موحدة وناجية من الفوضى والانهيار, سيكون خروجاً محكوماً بالعجز والانهاك.

 

اخبار 24

شاهد أيضاً

الهيئة العامة للزكاة تدشن مشروع السلال الغذائية النقدية لـ 6 آلاف جريح بقيمة 150 مليون

المستقبل نت: دشنت الهيئة العامة للزكاة الخميس بصنعاء، بالتنسيق مع مؤسسة الجرحى، مشروع توزيع السلال ...