احمد ناصر الشريف
كنت قد تطرقت إلى مضمون هذا المقال في وقت سابق لكن الأحداث المتسارعة التي تشهدها المنطقة خصوصا هذه الأيام جعلني استحسن إعادة النشر على الأقل للتذكير بما يريده أعداء الأمة العربية لها وكيف يجب معرفة العدو الحقيقي ومقاومته والذي أصبح الحكام العرب اليوم يرتمون في حضنه وينفذون له أجندات:
والمنطقة على شفير صفيح ساخن في ظل القيادة المتهورة للولايات المتحدة الأمريكية بزعامة الأحمق دونالد ترامب واندفاع بعض الحكام العرب معه يجب أن نذكر بأن العرب شعوبا وقيادات لم يستفيدوا أبداً مما حدث في العراق أثناء غزوه واحتلاله وما ترتب على ذلك من أحداث لم يسلم منها احد ليس على مستوى الدول المجاورة للعراق فحسب، وإنما على مستوى المنطقة العربية بأكملها، من مشرق الوطن العربي إلى مغربه، حيث أصبح الكل مهدداً ومعرضة أوطانهم لهزات وتقلبات سياسية وأمنية خطيرة لا أحد يعلم عواقبها وإلى أين ستوصل المنطقة إذا لم يتم تداركها بحكمة وعقل وخاصة في هذا الوقت بالذات الذي أصبحت فيه الأوضاع العربية لا تسر عدوا ولا صديقا؟. ورغم هذه المأساة التي يعيشها كل العرب اليوم- أنظمة وشعوباً- وتباكيهم على مشاركتهم عدو الأمة العربية والإسلامية لتحقيق أهدافه وتقديم التسهيلات له لابتلاعهم جميعاً، إلا أن هذه المأساة تكاد تتكرر اليوم في سورية ولبنان واليمن وليبيا وبأيدٍ عربية مع الأسف الشديد، كما حدث في العراق قبل وعند غزوه واحتلاله، فتحول العراق بعد ذلك من قطر كان يمتلك كل مقومات الدولة القوية القادرة على الصمود والتصدي لأي عدوان خارجي يستهدف العرب والسيطرة على مقدراتهم إلى بلد اختفت فيه الدولة وأصبح مصدراً للمتاعب، ومأوى للفتن الطائفية والمذهبية، وبذلك سقطت أول دولة عربية فيما عرف بمثلث الأمان الذي استعاد به السلطان صلاح الدين الأيوبي مدينة القدس العربية من الصليبيين قبل أكثر من ألف عام وهو المثلث الذي كان يتكون عبر تاريخ الأمة الإسلامية من مصر والعراق وسورية، والذي كلما كان يوحد إمكانياته كلما تداعت الأمة من كل أنحاء الوطن العربي لتلبي نداء المواجهة ضد الغازي والطامع الأجنبي.
لكن اليوم مع الأسف الشديد فقد انفرط عقد ذلك المثلث وأصبح كل جزء منه يعمل بمفرده ولذلك نرى الأمة العربية تتهاوى وبيدها مفاتيح القوة لتسليمها للغازي الجديد وهي في عنفوان عظمتها المالية والعسكرية وصداقاتها وعلاقاتها الدولية المتشابكة .
إن السنوات الماضية على غزو العراق واحتلاله والقضاء على النظام والدولة فيه قد كشفت النوايا الخبيثة لعدو الأمة العربية المتربص بها دائماً ومن يتعامل معه من الحكام العرب، واثبت تواجد هذا العدو في المنطقة بحشده العسكري غير المسبوق، أن الهدف لم يكن بلد عربي أو إسلامي بعينه وإنما تخريب وتدمير دول المنطقة بالكامل لتحقيق صفقة القرن المزعومة، بما في ذلك القضاء على الحلفاء التقليديين الذين لا تطيق الإدارة الأمريكية محاولاتهم أن يصبحوا نداً لها في إدارتها.
وعلى ما يبدو أن شلال الدم المسكوب في العراق وسورية واليمن وليبيا ودولا عربية وإسلامية أخرى قد أعاد الحياة إلى شرايين أنظمة متهالكة كان الأمريكي والغربي والإسرائيلي هم من سيضع حداً لها، لكن أحقاد الطائفية والمذهبية بكل بشاعتها هي من أطال عمرها الافتراضي لاسيما السعودية مستنتجين أن ما يحدث في بعض الدول ليس كافياً فتم فتح جبهات جديدة وخاصة في سورية واليمن، وكان لبنان هو الحلقة الأقوى بانتصاره على أقوى جيش في المنطقة والذي ظلوا معه لستين عاماً يصنعون الهزائم، وجعلوه الحلقة الأضعف بحكم تنوعه الطائفي والمذهبي، وهكذا مثلما حققوا ما عجزت أمريكا عن تحقيقه في العراق يستمرون في تحقيق ما عجزت عن تحقيقه إسرائيل في سورية ولبنان ومثلما في الماضي كان الاتحاد السوفيتي المناصر للقضايا العربية هو العدو الذي يجب أن يحاربه العرب والمسلمون في أفغانستان، بدلاً من خوض معركتهم الحقيقية في فلسطين، نجدهم هذه المرة حلفاء لإسرائيل بشكل واضح ضد عدو وهمي جديد هو إيران..
ولذلك فقد آن الأوان لقراءة ما يحدث بشكل مغاير لما تريده هذه الأنظمة.. مسترجعين الحرب الأهلية في عام 1975م حيث كان لبنان مسرحاً لتعبير الأنظمة العربية عن ولائها للسيد الأمريكي، وهم اليوم كذلك.. وكان الإصرار على إخراج سورية من هذا البلد العربي الصغير الهدف منه إعادة لبنان إلى المربع الذي كان عليه قبل اتفاق الطائف.. فهل نعول على انتصارات لبنان على من الحق بالعرب الهزائم، وان لبنان 2019م, غير لبنان 1975م، كما هو واضح في أن الانقسام الداخلي هذه المرة سياسي يأخذ صورة المعسكرين اللذين تتنوع فيهما التركيبة الطائفية والمذهبية, ليعبرا عن مشروعين لا يرتبطان بلبنان ومصالح شعبه, والمطلوب رفع الجميع عربياً وإقليمياً ودولياً أيديهم عن لبنان وسورية واليمن وليبيا وكذلك العراق وسيكون العرب بألف خير.